السؤال:
عندي ثلاثة أولاد- والحمد لله- والكبير عمره أربع سنوات وعملي طبيب، وأحيانًا أجد كثيرًا من الأسئلة في ميدان التربية ولا جواب عندي لها، فاهمها: الهدية وأثرها ومناسبتها للعمر المناسب، وكيف تكون طريقة إعطائها، هل بعد أن ينفذ ابني ما طلب منه؟ أم تكون في المناسبات؟ وهل كل عمر يميل لنوع محدد من الهدايا؟
الجواب:
أبتدئ الجواب على سؤالك بشكرك على نضجك وفهمك لأهمية التفاصيل الحياتية لخاصة بأولادك؛ لأن كثيرًا من الآباء يهملون هذه الجوانب، وتلك التفاصيل ظانين أنها لا تؤثر في أطفالهم، وأن الطفل يستوي عنده كل شيء، وهذا ظن خاطئ فإن عقل الطفل وتركيبته الذهنية هي أشد ما يكون تأثرًا بالتفاصيل والمواقف وردود الأفعال.
وسؤالك عن الهدية التي يهديها الأب لأطفاله سؤال هام؛ لأنها في أحيان كثيرة لا توجه التوجيه الصحيح فيما يخدم النشأة المستقيمة سواء على المستوى النفسي أو المستوى الخلقي، ويكفينا أن نعرف أن هدايا الطفل في المرحلة العمرية ما بين 5 سنوات إلى 10 سنوات يصعب أن تمحى من ذاكرة الطفل طوال عمره حتى يكبر ويهرم.. وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم قيمة الهدية، فقال في الصحيح: «تهادوا تحابوا» وهو في الأدب المفرد وله شواهد كثيرة، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيح: «يا نساء المؤمنين تهادوا ولو فرسن شاة، فإنه ينبت المودة ويذهب الضغائن». وليس المقصود هنا التحاب بين الوالد لولده فحسب بل المقصود هنا زيادة التقدير للأب في وعي الولد وأن تكون الهدية موجها سلوكيا مقصودا.
ويجب أن يوضح الآباء مفهوم الهدية لأبنائهما بقدر تفهم الابن وبحسب ما يناسب عمره ولنعلم أبناءنا أن الهدية هي تعبير رقيق عن مشاعر الحب والمودة، وهي رغبة في التقارب القلبي وهي أيضًا تعبير عن التقدير للسلوك الحسن والخلق المميز والعمل الناجح، كما يهمنا تعليم الولد قبول الهدية مهما كانت صغيرة وأن أثرها ليس بقيمتها ولكنه بمقدار الشعور الصادق الذي يصحبها.
وهاهنا أود أن أتوقف معك عند عدة ملاحظات هامة فيما يخص الهدية من الوالدين للأبناء: أولًا: يمثل إهداء الوالدين الهدايا لأبنائهما نوعًا مهما من التدعيم النفسي والوجداني، ونوعًا مطلوبًا من الرحمة والمودة التي يحتاجها الأبناء في مختلف المراحل، فلا ينبغي الإهمال في هذا الجانب بقدر الاستطاعة.
ثانيًا: من المهم توجيه موضوع الهدية توجيها مقصودًا، إذ من الخطأ أن نهمل وسيلة ناجعة ومؤثرة في توجيه سلوك الطفل ونتركها تعتمد على العشوائية، فبعض الآباء لا يشتري الهدية إلا كلما طلب الولد ولا يشتريها إلا لأجل إسكاته عن الطلب والبكاء، وهذا من الخطأ الواضح.
ثالثًا: الهدية من الوالدين يجب أن يكون لها عدة أهداف هامه:
فأولها تدعيم السلوك المرغوب فيه من الوالدين أو الحث عليه كأن يهدى الابن هدية، ويقال له: إنها لك؛ لأنك قد قمت بسلوك طيب حسن في موقف كذا وكذا أو يقال له: لأننا نريد منك الامتثال بهذا السلوك الطيب الذي قد قمت به من قبل وليكن عندك صفة دائمة.. أو مثال ذلك.
وثانيها توجيهه نحو اهتمام معين بموضوع الهدية مثل أن نشتري له برنامجًا من برامج الحاسب مثلا يعلم كيفية الابتكار والاختراع والتفكير الإبداعي أو نشتري له كتابًا يوجه نحو فكر مطلوب أو نشتري له مجموعة قصصية إيجابية ذات مغزى مؤثر.. وغيره..
وثالثها: المكافأة على الإنجاز بحيث يتم تثبيت فكرة قبول الإنجاز الذي أنجزه وتقديره وبيان أثره وقيمته..
رابعًا: من المهم ألا ترتبط الهدية ببكاء الطفل أو بإلحاح الولد بأي حال؛ لأنها حينئذ تفقد معناها التربوي المقصود، ويكون حالها كحال طعام طلبه واشتريناه له أو مثله، وإنما الصواب كما ذكرنا آنفًا أن ترتبط في ذهنية الولد بموقف أو سلوك أو قيمة أو مبدأ.
خامسًا: لابد من ملاحظة اختلاف نوعية الهدايا باختلاف المراحل العمرية المختلفة، وليراعِ الآباء اعتبار نمو ذهنية الطفل واتساع مداركه، فمن الأخطاء الشائعة مثلًا اقتصار الهدايا على لعب الأطفال وحسب، أو اقتصارها على العرائس للبنات أو اقتصارها على السيارات والدبابات والمركبات للأولاد.. فكل هذا تضييع لمعنى الهدية..
سادسًا: رأى التربويون أنه من الخطأ اصطحاب الأطفال إلى محلات ودكاكين لعب الأطفال، حيث ينبهر الابن بكثرة الألعاب التي يراها، وحينئذ لا يكفيه أي مقدار من اللعب يشتريه له الأب، كذلك لن يقنعه أي اختيار اقتناعًا كاملًا.
سابعًا: طريقة تقديم الهدية للأبناء فن آخر، فيلزم تقديم الهدية في جو مناسب من الفرح والسعادة ويبتدئ ذلك بذكر سبب الهدية والرجاء منها وشكره وتقديره وغيره.
ثامنًا: يجب ألا تقتصر الهدايا أن تكون مقدمة من الأب فقط، ولكن ليراع الوالدان أن تكون الهدايا مقدمة من جميع أفراد الأسرة لبعض تقوية لصلاتهم، وبثًّا لمفهوم تقدير السلوك المميز.
تاسعًا: الهدية في المناسبات هي أسلوب تربوي ناجح، حيث يتم بها التأكيد على أفضلية هذا اليوم وحبه وقيمته- كأيام العيد مثلًا- ويوم أن يتم حفظ القرآن، ويوم أن يبلغ سبع سنين ليلتزم بالصلاة في مواقيتها كاملة وغيره.
عاشرًا: من الحسن المناسب أن ينتبه الوالدان إلى أن ترتبط الهدية بميول الابن ومواهبه لتساعده في ذلك وتحببه في ذاك الميول الإيجابي كأن يكون له ميول للكتابة مثلًا، فعندئذ نهديه ما يساعده على ذلك أو غيره.
الكاتب: خالد رُوشه.
المصدر: موقع المسلم.